يسر متحف جامعة بيرزيت استضافة معرض (فعلٌ ماضٍ) للفنان جاك برسكيان، في إطار حث المجتمع على نقاش حاضره واستشراف مستقبله، في حين تتصدر القدس رأس القضايا والتحديات التي نعيشها اليوم.
قدس اليوم هي المدينة ذاتها الرابضة على تلك التلال المقدسة، منذ فجر التاريخ، بأبنيتها المتراصة، وعبق حجارتها القديمة داخل سور كان منيعاً يوماً ما. المتصفح للصور الفوتوغرافية المتداولة قديماً وحديثاً، قد يرى المدينة، للوهلة الأولى، حالمة وادعة بسحرها وجمالها الموغل في القدم، تفتح ذراعيها لتستقبل جميع من شدَّ رحاله إليها، صور من غير الممكن أن تعكس الماضي أو الحاضر. فالصراعات المريرة للسيطرة على المدينة والقوى المتعاقبة التي طمحت دائماً لأن تكون جزءًا من تاريخها ومشهدها المقدس، طَمَست عن قصد كثيراً من تفاصيلها، وأعادت كتابة التاريخ من جديد مرات ومرات. وبينما نجت بعض التفاصيل من المسح الممنهج، فإن جُلها اختفى تماماً، ولم يعد بادياً للعيان مع مرور السنين.
منذ بداية القرن التاسع عشر، اختلفت علاقتنا برؤية التاريخ والوقت، واستيعابهما، والتواصل معهما وفهمهما، اختلافاً كبيراً. فأصبح التصوير (توثيق الواقع في مكان ووقت محدد) والتشارك في الصور مع الآخرين تقنيةً سهلةً في متناول الجميع، والشغل الشاغل للكثيرين. حتى الأطفال نجدهم اليوم يتلمسون بدايات طريقهم في هذه الحياة وبأيديهم كاميرات.
اليوم، إلتقط جاك برسكيان صوراً للمشاهد ذاتها، التي صوّر غالبيتها فريق مصوري "الأميركان كولوني" قبل مئة عام، من الزاوية والبقعة نفسها من أجل تقديم رؤية للمدينة بعين جديدة. بمقاربة الصور القديمة والحديثة، يقارن بين لحظتين يفصلهما قرن من الزمن، تحمل المسافة الزمنية ما بينهما تغييرات وتحولات تلخص محاولات جديدة من المحو وإعادة كتابة تاريخ المدينة، ومساعي مُحكَمة لاحتلال مكان في مشهدها المقدس. التغييرات التي تعكسها الصور، يمكن قراءتها كنتيجة لسلسلة من أحداث القرن الماضي التي وقعت في المنطقة. ومن خلال مقاربة الصور القديمة والحديثة، ليس من الصعب على المرء استنتاج جملة المخططات التي فرضت قبل مئة عام، وتلك المفروضة اليوم، والمخططات المستقبلية في المنطقة.
جاك برسكيان
مؤسس ومدير مؤسسة المعمل للفن المعاصر وجاليري "أناديل". سبق أن شغل منصب مدير المتحف الفلسطيني والقيّم العام فيه (2012-2015)، ومدير مؤسسة الشارقة للفنون (2009-2011)، والمدير الفني لبينالي الشارقة (2007- 2011)، والقيّم العام لبينالي الشارقة (2004- 2007)، ومؤسس والمدير التنفيذي لمعرض القدس (2007- اليوم)، وقلنديا الدولي (2012- 2014).
معارضه ومشاريعه: "فعلٌ ماضٍ"، متحف جامعة بير زيت، وحولية القدس – ربيع 2019 عدد 77، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وأيضا في بلدية رام الله ومركز موسى أفندي في القدس (2019)، "المكتبة الخالدية في القدس: المعرفة، المكان .. والزمان"، المعرض الافتتاحي (2018)، "بعد ماتسون"، معهد أولبرايت للأبحاث الأثرية، القدس (2017)، "في حضرة الحبر الأعظم"، بيت لحم ومخيم الدهيشة للاجئين (2014)، وعروض "صابون نابلسي" (2010- 2012) في مركز بيروت للفن، ومعرض فن أبو ظبي (مع طارق عطوي)، ووزارة الثقافة البرازيلية - ساو باولو، ومعهد الفنون المعاصرة - لندن، ومتحف هامر - لوس آنجلوس، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا - بوسطن، ومتحف الفن الحديث - نيويورك، والمتحف الجديد للفن المعاصر - نيويورك، ومركز روتيه فابريك - زيورخ، ودارة الفنون - عمان، ومركز آرت سبيس - سيدني، ومهرجان آديلايد للفنون في أستراليا، و"جدار من صابون"، في لقاء المنتدى الاقتصادي العالمي، في موفينبيك البحر الميت، الأردن (2004). وتلقى برسكيان وسام الثقافة والعلوم والفنون بمستوى الابتكار من دولة فلسطين (2016). يقيم برسكيان ويعمل في القدس.