يأتي معرض "ما وراء الجماليات" ضمن إطار تطوير رؤية برامج العرض في المتحف لتقديم إمكانيات غير محدودة وغير تقليدية للتعامل مع التراث كونه جزءاً من الإنتاج الثقافي المرئي ويحتاج إلى قراءات ومداخل جديدة. يقدم المعرض من خلال هذه المنهجية المبتكرة مجموعتي الأزياء والحجب معتمدا على الرمزية المرئية في تقديم المقتنيات التي بلغ عددها حوالي مئة ثوب تقليدي و1400 قطعة من مجموعة توفيق كنعان للحجب والتمائم.
يمثل هذا المعرض محاولة اكتشاف الأبعاد الرمزية في الأزياء الفلسطينية الفلاحية والبدوية وكيفية استخدامها كأدوات اتصال وتواصل اجتماعي، فيسلّط الضوء على استخدام الألوان والصور والأشكال في القطع المعروضة كأدوات لإيصال رسائل ذات صلة بالواقع والحياة الفلسطينية حتى منتصف القرن العشرين. ويتوسع المعرض في عرض العلاقة ما بين الملابس والتمائم كأدوات ملبوسة، ويركز على الطبيعة الرمزية التي تربط كليهما. ولا تتوارى طريقة العرض هذه عن التنويه إلى الأسلوب المعتاد في عرض الأثواب ضمن السياق الجغرافي الفلسطيني حيث يتم ربط ودراسة كل ثوب في إطار منطقة معينة في فلسطين سواءً من ناحية صناعة الثوب أو تصميمه أو خصائصه.
يتطرق المعرض إلى المفاهيم والأفكار المختلفة التي تظهر في الأزياء والحجب كالثراء، والموت، والحداد، والجسد، والحشمة، والزواج والحالة الاجتماعية، والمعتقدات الروحية، بالأخص تلك المتجسدة في لباس المرأة. وبالرغم من أن المعرض قد يبدو مقتصراً على الخطاب المرتبط بالمرأة من خلال تركيزه على الزي النسائي، إلا أن ما يتم عرضه أو تصويره من خلال الأزياء النسائية لتلك الحقبة غالباً ما كان متصلاً بالزوج والأب والأخ والعائلة أو العشيرة.
كما لابد من الأخذ بعين الاعتبار بأن الأزياء في تلك الفترة كانت تصنع تبعاً لإجراءات تقليدية متجذّرة والتي انعكست على تحديد الشكل والتصميم لتلك الملابس وكمالياتها. ولكن هذا لم يحد من إتاحة الفرصة للإبداع والابتكار والتجديد ضمن الأعراف والتقاليد المقبول بهم والتي أتاحت الفرصة أيضاً لظهور تطور في الأساليب والأنماط المتبعة. وقد أتاحت هذه العملية قدراً معيناً من التنوع والتغيير مع الحفاظ على الهوية الثقافية والإقليمية في الأزياء. ومن خلال عملية التغيير والتطور، تلاشت العديد من هذه المعاني التي كانت ذات أهمية معينة مع مرور الوقت وتحولت إلى مظاهر وشكليات تم إبقاؤها في اللباس كنوع من المحافظة على الهوية الشكلية عوضاً عن تمثيلها لمعنىً أو قيامها بدور فاعل في نقل الأفكار. وهذا يعني بأن بعض العناصر التي كانت تستخدم لعكس معانٍ خاصة باتَت تستخدم على أساس إظهار وعكس تصورات تراثية و تقليدية من مبدأ الوفاء للتراث بدلاً من المضمون.
بعرض هذه المجموعة من المقتنيات، يسعى المتحف لطرح نهج وموقف بديل عند التعامل مع الأزياء والتمائم بشكل خاص، ومع الثقافة الفلسطينية بشكل عام، إذ أن المتحف يرفض الترويج للأفكار القائمة على الحنين، والعاطفة، والتمجيد والتي تطغى عادةً على الخطاب المتعلق بالمقتنيات التراثية الفلسطينية، بل يهدف إلى إتاحة الفرصة لدراسة وفهم هذه المجموعات والمقتنيات من جميع الزوايا والأوجه الممكنة وإلى طرح العديد من القراءات و المداخل المختلفة بحيث تصبح المقتنيات مصادر معرفية حول فهم وإعادة إنتاج الثقافة عوضاً عن كونها مجرد غاية للحفظ والتبجيل. واعتماداً على هذا المدخل والذي اتبعه قيّم المعرض، تم التركيز على الرمزية التي تضمنتها القطع المعروضة والتي يمكن تلخيصها في العناوين التالية:
الثروة
لقد كان استخدام اللباس كأداة لإظهار مقدار الثروة المادية والحالة الاجتماعية أحد أبرز الرسائل التي يعبر عنها الثوب. فقد كان الثوب الأكثر كلفة وحداثة يعبر عن مستوى أعلى من الثراء. وكانت عناصر الثوب، من نوعية القماش وكمية الجهد المبذول في تصميم الثوب وتقنيات إضافة الزخارف وخواصه من النواحي العملية كلها تعبر عن الثروة أو الرغبة بإظهارها سواء أكانت حقيقية أو مدّعية.
الحداد
لقد تعددت واختلفت الطرق التي يتم التعبير عن الحداد والحزن وفقاً للمناطق والأقاليم المختلفة في فلسطين مع اخذ الدين والعمر بعين الاعتبار. ولم يقتصر معنى الحداد على حدث معين و حسب، وإنما تعداه إلى كل حالة تغيير جذري تطرأ على الحياة اليومية من خلال حدث غير مرغوب كالموت. وكان يتم التعبير عن هذا الحزن عن طريق الملابس وعن طريق ارتداء الأزياء بطرق غير معتادة أو تغطية أجزاء منها أو تمزيق جزء منها أو تغيير لونها لفترة الحزن والحداد.
الخصائص الجنسية للجسد
بالرغم من شيوع الحشمة في اللباس والمظهر العام، لم تتردد الأزياء الفلسطينية عن التعبير عن الخصائص الجنسية وعلاقة الفرد والمجتمع بالجسد بما يشمل التغيرات الجسدية والإثارة والخصوبة. وقد مكنت هذه الملابس مرتديها من التعبير عن الحالة الاجتماعية والنضج الجنسي والقدرة على التحكم بالذات عن طريق استخدام ألوان ومزركشات وزينة من غير التّعرّض لكرامة و شرف الفرد أو العائلة.
الاستخدامات الروحية
يمكننا أن نلاحظ الأثر الواسع لالتزام هذا المجتمع بالروحانيات والتطهير والإيمان بالخرافات على آليات صنع وتوظيف الملابس لتتناسب مع هذه المعتقدات، حيث استخدمت المجوهرات وأدوات الزينة من قبل النساء والأطفال، والرجال أحياناً، كأدوات للحماية والتعبير عن المعتقدات الروحانية. وبالرغم من التغييرات التي أدت إلى تجاوز بعض هذه المقتنيات من ناحية المعتقدات وتجريدها من صفاتها ووظائفها الروحانية، إلا أن استمرار استخدام بعضها في سياق الحماية بالإضافة إلى الزينة لم يكن خارجاً عن المألوف.
هذا المعرض هو أحد تدخلات المصمم عمر يوسف بن دينا على مجموعة الأزياء الفلسطينية لدى متحف جامعة بيرزيت
موقع المعرض: متحف جامعة بيرزيت ، القاعة الرئيسية