يقدم معرض“ ليس كأي ربيع" الذي ينظمه متحف جامعة بيرزيت تجربة فريدة حول مفهوم المجموعات ومعنى المتحف في السياق الفلسطيني. تسلط هذه التجربةالضوء على العمق التاريخي للمجموعة الفنية في الجامعة و إستقلالها عن المشروع السياسي المؤسساتي الذي نما بشكل متسارع في العقدين الأخيرين. نلاحظ في تجربة هذا المعرض تراكمات لعمل ثقافي حصيلة مجهود مجموعة من الأفراد الذين دأبوا على إنتاج تجربة ثقافية فريدة وحية في جامعة بيرزيت إرتبطت استمراريتها بتاريخ الجامعة ومثابرتها بعيداً عن كبوات الواقع السياسي لإنشاء دولة بمؤسسات مختلفة. فقد ظل المتحف ينمو بشكل عضوي ومستمر مطوراً تجربة ثقافية مهمة نشطت قبل تأسيس المتحف بسنوات و لعبت فيها الفنانة فيرا تماري دوراً تاريخياً شكل حجر أساس في تحقيق التراكم الذي تطلبه تأسيس المتحف عام ٢٠٠٥.
اتبعت تماري مع الطلبة الأسلوب التجريبي لتطوير أفكار واكتشاف إمكانيات الموادإذ كان هناك ما يلبي حاجة طلبة العمارة لتعلم بعض المهارات التي لا يوفرها نظام التعليم الأساسي. كانت المحصلة أن أنتج طلبة العمارة العديد من المعارض الفنية المتميزة خلال فترة تدريسها في الجامعة والتي امتدت أربعة وعشرون عاما اكتسبت خلالها هذه المعارض أهمية خاصة في غياب برنامج للفنون في الجامعة.
أنتجت هذه الحالة جو من الاهتمام بالفنون في الجامعة وأصبحت فيرا تماري عنواناً للنشاطات الفنية في الجامعة. وفي عام ١٩٩٤ تم تعيينها لتكون مسؤولة لجنة تعمل على استلام الأعمال الأولى من المجموعة الفنية ، أعمال الفنان السويسري رينيه فيرير والتي تبرع بها للجامعة إيماناً منه بالدور الثقافي الريادي الذي تلعبه الجامعة. وتلاها العديد من التبرعات التي قدمها فنانون و فنانات مثل مروان قصاب باشي ، كمال بلاطة، سامية حلبي و إتيل عدنان، موريس باسترناك وغيرهم الكثيرون.
.
شكلت هذه اللحظة بداية لمرحلة جديدة شهدت فيها الجامعة بداية تكون المجموعة الفنية الخاصة ببيرزيت. في نفس الفترة تبرعت عائلة الدكتور توفيق كنعان بمجموعته الفريدة للحجب و التي أضافت بعداً تاريخياً مهماً حول التاريخ الإجتماعي في فلسطين و أغنت المجموعات بمكون جديد الى موارد التراث الثقافي المادي في الجامعة. تمخض عن هذه التبرعات التي قدمها الفنانون والأفراد للجامعة كهدايا تجربة لها أهميتها التاريخية، وهي ما كانت موضوع المعرض الحالي “ ليس كأي ربيع”.
دعا متحف جامعة بيرزيت الفنانة فيرا تماري من خلال معرض "ليس كأي ربيع" للعودة لقراءة تجربة البدايات اعتماداً على عام 1994 كنقطة إنطلاق لرحلة متحف جامعة بيرزيت وكتجربة في صميمها مجتمعية، هذه السمةالتي ظلت ملازمة لعمل المتحف الذي يسعى لتقديم معنى لمفهوم المتحف في السياق الفلسطيني و ما يترتب عليه من تطوير مفاهيم محلية عن الإنتاج الفني، المجموعات الفنية، والإمكانيات التي يحملها التراث الثقافي المادي لإنتاج معرفة و إستشراف المستقبل كونه ينمو في قلب الجامعة التي لها تجربتها الثقافية التاريخية التي تقترب من مئة عام.
عملت فيرا على تنظيم معرض “ ليس كأي ربيع” من خلال تجربتها التاريخية لتلك الفترة التي قادت فيها مبادرات مهمة لتبرز أهمية المعارض الفنية في تجربة الحياة الجامعية كان أكثرها حيوية افتتاح جاليري القمرية التي كانت قاعة العرض الأولى في الجامعة ما بين ١٩٩٩-٢٠٠٤ حيث استخدمت أربعة أروقة في أحد مباني الجامعة كصالة عرض، وقُدّم فيها عدد من المعارض لفنانين أمثال سليمان منصور، تيسير بركات، نبيل عناني كانت هذه المعارض حالة حيوية مهمة خاصة في وقت لم تتوفر فيه قاعات عرض متاحة للطلبة بشكل خاص و للجمهور بشكل عام عام.
عادت فيراخلال المعرض إلى مراجعة تجربتها التاريخية في الجامعة وخاصة في فترة التسعينيات التي تجمعت فيها أعمال وتبرعات من العديد من الفنانين وهم : رينيه فورير، كمال بلاطة، مروان قصاب باشي، إتيل عدنان، ليلى الشوا، فلاديمير تماري، منى باسيلي سحناواي، رشيد قريشي، ناصر سومي، سامية حلبي، سري خوري، إسماعيل شموط، سميرة بدران، منى حاطوم، منى سعودي، فيرا تماري، موريس باستيرناك، ميزوكو ياكاوا، يورك شميتزر، وجاي كوب، لويس نخلة. قدمت الأعمال مع بعض الوثائق و المقابلات مع الفنانين
الا أن الجانب الأكبر في المعرض تطور بعد أن وجهت فيرا تماري رسالتها الى عدد جديد من الفنانين الفلسطينين تشركهم في فكرة المعرض مع دعوة للمشاركة بعمل لينضم إلى المجموعة . وفي تأكيد جديد على الدور المجتمعي المتبادل الذي يلعبه الفنانون مع المتحف لتقديم الفنون بجميع أشكالها لجمهور الطلبة ، فعل الجميع وقدم ٢٥ فنان وفنانة أعمالهم لمجموعة المتحف مع الترحيب بالفكرة وهم:
سليمان منصور، سهى شومان، نبيل عناني، تيسير بركات، إميلي جاسر، رلى حلواني، حسني رضوان، تيسير بطنيجي، سمير سلامة، هاني زعرب، خالد حوراني، جواد المالحي، جمانة مناع، رائدة سعادة، شريف واكد، أحمد كنعان، خليل رباح، إيناس ياسين، وجون حلقة، تيسير شرف، عامر الشوملي، عمر يوسف بن دينا، يزن الخليلي، بشير مخول. كما تبرع الباحث الفلسطيني وجامع المقتنيات جورج الأعمى بعملين فريدين من مجموعته الخاصة لينضما إلى مجموعة المتحف وهما رسم زيتي للأديب الفنان جبرا ابراهيم جبرا، والثانية رسم تخطيطي للفنانة الرائدة صوفي حلبي.
اعتمد التنظيم الفني للمعرض على تقديم الأعمال الأولى التي تبرع به الفنانون في فترة التسعينيات مع المجموعة الجديدة التي قدمها الفنانون لهذا المعرض . كما تم تقديم مجموعة الفنانة لويس نخلة، "الزهور البرية في فلسطين" في معرض خاص في مركز خليل السكاكيني ضمن فعاليات النشاطات المرافقة التي احتوت أيضا مداخلات من قبل طلاب العمارة في جامعة بيرزيت بإشراف فني من كل من يزيد عناني و سمر الناظر في مشروع بعنوان “ الميثولوجيا الرقمية”.
كما كان لمجموعة أعمال الفيديو منصة للعرض ضمن برنامج "العودة لمهرجان الفيديو" ذلك بتنظيم فني من قبل الفنانة املي جاسر التي جمعت من فنانين من جميع أرجاء العالم نسخ من أعمال فيديو قيّمة وقدمتها لجامعة بيرزيت عام ٢٠٠٢ في مهرجان خاص نظمته آنذاك لفن الفيديو.
إستطاع المعرض في نشاطاته المختلفة فتح مجالات للنقاش حول المجموعات ودورها في التعليم وانتاج المعرفة كما وفر للعديد من الفاعلين الثاقفيين فرصة مهمة للقاء و نقاش معنى العمل المتحفي في فلسطين و كان أبرز هذه النشاطات حلقة النقاش التي حملت عنوان "ظاهرة اقتناء الاعمال الفنية في فلسطين” و شارك فيها كل من فيرا تماري ، جورج الأعمى، جاك برسكيان، خليل رباح ، لارا الخالدي وبمحاورة من مديرة المتحف إيناس ياسين.