نظم متحف جامعة بيرزيت معرضاً فردياً للفنان الفلسطيني عيسى ديبي بعنوان "المنفى عمل شاق"، في الفترة ما بين 4 تشرين الأول 2017 و 4 كانون الثاني 2018، وضم المعرض مجموعتين من أعمال عيسى ديبي بعنوان: المحاكمة (2013) والوطن الأم (2016). تم تطوير هذين المشروعين في وقت سابق ليتم تقديمهما في معرضي: المحاكمة لبينالي البندقية 2013، والوطن لبينالي كاناكالي 2016، أثار المعرض حواراً بين موضوعيهما، ليناقش مفاهيم الثورة والمنفى، إضافة إلى عدد من القضايا المتعلقة بالسياق الأصلي في هذه المعارض الدولية والتي تلعب الهوية الوطنية فيها دوراً متميزاً.
"المحاكمة" هو عمل تركيبي لقناتي فيديو تصوران مجموعة من الممثلين في مسرح مربع أسود، يقرأون أجزاءً من نص بيان عام 1973 للشاعر الفلسطيني داود تركي، حين كان يحاكم في محكمة إسرائيلية بتهم التجسس والتعاون مع العدو. كان تركي شيوعياً وتردد في تصريحاته صدى للخطاب الثوري لتلك الأيام. صور عيسى العمل في حيفا التي لا تمثل مدينة تركي وحسب، بل المكان الذي نشأ فيه عيسى ديبي أيضاً. كان ديبي أثناء تصوير العمل مقيماً في القاهرة فور انفجار ثورة 2011. وفي حين ينطلق العمل من خصوصيات متعلقة بالثورة الفلسطينية وارتباطها بالتيارات الثورية العالمية في السبعينات، إلا أنه يعكس صدى الوضع السياسي المصري عام2013، وبتساؤلات أكبر حول الصراع الثوري بصورة عامة.
يمثل "الوطن الأم" مرثية لوالدة الفنان من خلال تأمل فوتوغرافي في المنفى. وقد التقط عيسى صوراً لمناظر طبيعية في الولايات المتحدة وسويسرا، حيث عاش السنوات الأخيرة، ويتساءل في هذا المشروع عن معنى "الوطن" و "الأم" وكيف نعرفهما!؟ ما هي الطبيعة العاطفية للوجود بين المساحات والأماكن؟ وأخيراً، كيف ترتبط التيارات السياسية الكبيرة في حياة الفرد؟ ويعرض "الوطن الأم" على هيئة سلسلة من الصور الفوتوغرافية المطبوعة التي تستدعي شاعرية المكان.
يطرح سياق عرض "المحاكمة" في الجناح الفلسطيني في بينالي البندقية مسألة القومية واستعراضها في المحافل الدولية الكبرى. وكيف تمارس الهوية في هذا السياق وكيف تتمتع بعض الدول بامتيازات أكثر من الأخرى؟ وكيف تتقاطع السياسة الحقيقية مع سياسة العرض الفني؟ ويرتبط هذا بصورة خاصة بموضوع المحاكمة، حيث الموقف الشيوعي من النضال الطبقي الذي يتجاوز القومية والعرق وغيرهما من عناصر الهوية. وعلى الجانب الآخر، طور عمل "الوطن الأم" أساساً ليعرض في بينالي كاناكالي 2016 والذي تم إلغاؤه بسبب الضغوط السياسية التي مورست في تركيا عقب الإنقلاب العسكري الفاشل. فقد خضع البينالي للظروف المحددة للسياق الوطني، وهكذا وفي ضوء هذه الخلفية، فإن كلاً من "المحاكمة" و"الوطن الأم" لا يشكلان فقط عملاً فنياً يتعلق بالتاريخ السياسي والشخصي لطرد الفلسطينيين، بل يطرحان تاريخاً أكثر تشعباً للمعارض التي تبنت أو فرضت عليها ظروف السياقات السياسية الجارية أيضاً.
لقاء حواري بعنوان:
"الصراع حول العموميات: استحقاق العالم في ظل وما وراء الحرب، الاحتلال، والمنفى"
بالتزامن مع المعرض نظم هذا اللقاء في مركز خليل السكاكيني بمشاركة كل من الفنانين : نوح سيمبليست وروان شرف وبيرال مادرا، وأداره الفنان ايمون كيريل.
ناقش المتحدثون "الصراع حول العموميات: استحقاق العالم في ظل وما وراء الحرب، الاحتلال والمنفى"، وكيف ينعكس هذا في الممارسة الفنية. إضافة لاستعراض دور المؤسسات والبيناليات والمعاهد الفنية والإقامات الفنية، وقاعات العرض (الجاليريهات) في إعادة انتاج النماذج المهمة القائمة، وكذلك في توفير مساحات للصراع ولطرح بدائل للقضايا العامة. كما بحث اللقاء في الطرق التي يمكن للفنانين الفلسطينيين التأكيد بها على أهمية عملهم داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها.
نبذه عن الفنان: عيسى ديبي
فنان وباحث فلسطيني مقيم في جنيف. اهتم في أعماله المبكرة بدراسة تعقيدات الممارسات اليومية في فلسطين ما بعد 1948. "أيام كهذا" (1997)، "مكان" (1998)، "البيت الحلم" (1999)، "لا شيء جديد"، "كله منسي" (2000).
تناول ديبي فيما بعد موضوع الهجرة والإغتراب، الأمر الذي توج في دراسته للحصول على الدكتوراه في التحليل النقدي للشتات كمساحة للإبداع الفني. وأنتج عيسى ديبي بالتوازي مع عمله البحثي مجموعة أعمال تحقق في الظاهرة المعقدة للهجرة الثقافية، ولواقع الشتات كما اختبرها فنان فلسطيني مهاجر في أمريكا ما بعد سبتمبر 2011: "قتل الوقت" (2004)، و"أبطال عراه" (2003)، و "حلو ميت" (2004)، وبعدها وفي وقت أقرب قدم عيسى "تل السمك" (2011)، ومثل فلسطين في الدورة الـ 55 من بينالي فينيسيا في 2013. عاد عيسى في عام 2015 ليعرض "مجسدات أيديولوجية" في درب 1718 بالقاهرة، وعمل عيسى على مشاريع للعرض في النسخة الخامسة من بينالي تشيناكالي بتركيا، وبينالي كولومبو في سريلانكا.
كما وعمل الدكتور عيسى ديبي في كل من كلية الفنون بمانشيستر في جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، مركز الدراسات العليا بالتصميم في مونتيري في المكسيك، جامعة شولالونغكورن في بانكوك بتايلاند، وكان أستاذا للفن والتصميم بقسم الفنون بالجامعة الأمريكية في القاهرة، ثم عمل الدكتور ديبي رئيساً لقسم الفنون والتصميم في جامعة مونتكلير بنيو جيرسي. وكان الدكتور ديبي عضواً مؤسساً لمؤسسة آرت إيست Art East في نيويورك وأول من شغل منصب مدير مجلس الفنون البصرية بالمؤسسة. عرضت أعماله حول العالم في بينالي البندقية، بينالي تشاناكالي بتركيا، ومختبر جنيستا الفني بالسويد، ومختبر الفن ببرلين، وجاليري ساحة الفن بجامعة سانغ ميونغ بسيول في كوريا، ودرب 1718، والقاهرة، وكونستفيرين بألمانيا، ومتحف كوينز للفنون في نيويورك، وقاعة هاوس أم لوتزبلاتز في برلين، وقاعة التانيت للفنون في بيروت، وسوق بيروت الفني ، وترينالي آسيا والمحيط الهادئ بتايبيه في تايوان، وقاعة عرض جامعة الكومنولث فرجينيا في الدوحة بقطر، وقاعة إلجا ويمر بنيويورك، وسوق آرت دبي.